يا عيني على لغة اهل ال 48

-"هات بالله مفاتيح سيارتك عشان اشتري عوجيوت"
-"بسيدر خذهن ,على الطاولة محطوطات"
اذا سمع عربي من ال 48 هذه المحادثة فانها تبدو عادية تماما , ولكن العربي الشهم الذي يختلط بلوثة الاغيار سيسال عن معنى "عوجيوت" (كعك) ,وعن كلمة "بسيدر" (حسنا)
كنا قد ذكرنا بالمقالات السابقة عزلة عرب 48 عن محيطهم العربي :الجغرافي و الثقافي وكذلك اللغوي
بذاك العصر لم يكن لعرب ال48 لتعلم لغتهم الا التخاطب فيما بينهم علما ان قسما كبيرا منهم كان اميا او على وشك , والتخاطب مع رب العمل و الذي بمعظم الاحيان يكون يهوديا , و التخاطب مع الدوائر الرسمية بالعبرية طبعا
اذاً كان العرب معزولين عن محيطهم اللغوي بالدول العربية, الثروة اللغوية للتخاطب فيما بينهم لم تتطور بسبب تخاطبهم حول الامور المعاشية الاساسية فلم يتطلب الامر ثروة لغوية للتعبير عن ارائهم ,وبالمقابل كانت المفردات و المصطلحات العبرية تفرض نفسها و تتسلل الى اللغة العربية مع جوارب العمال العائدين ليلا الى قراهم بعد يوم عمل طويل ب"حفرات " (شركة) بناء تعمل بال"مفراتس" (خليج - المقصود خليج حيفا)
وعند تشغيلهم للمرناة لم يكن الا محطة سوريا و محطة الاردن تغنيان و ترقصان للملوك الذين لم ينتصرا ذات مرة باي معركة , فلم يتبق اذا الا مشاهدة المرناة اليهودية ومتابعة صحيفة "يديعوت احرونوت" (اخر الاخبار) لمتابعة المستجدات اليومية و التنعم بالقليل من التحليل و النقاش و لو كان محصورا باطار غير وطني
بالمدارس نتعلم العربية من افواه معلمين عرب ,ونتعلم العبرية كلغة ثانية اعتبارا من الثالث الابتدائي, ولكن عدد الوحدات الدراسية المخصصة للعربية تتقلص بشكل كبير مقارنة مع عدد الحصص العبرية بالمدارس اليهودية ,اي انهم يتعمقون بلغتهم .
وسالني الكثير من العرب الذين التقيتهم بالمانيا ان كنا نستطيع الامتناع عن تعلم العبرية, ان العبرية لغة الدوائر الحكومية و لغة الجامعات (لا جامعة عربية بال 48) و لغة العمل ,فحتى من يعمل بالبناء من اهل الضفة يتعلمون العبرية من كثرة الاستعمال بهدف التواصل مع صاحب العمل اليهودي

وهكذا ,وبعد الغزو العسكري , بدا الغزو اللغوي لعرب 48 , وحملت مجنزرات الغزو اللغوي قنابل موقوتة اخطر "الغزو الفكري" فاصبح اسم مفترق "مسكنه" :"تسومت غولاني" (مفرق جولاني ,احدى فرق النخبة الاسرائيلية و التي منيت بهزائم مريعة بالحرب الاخيرة) , والخالصة تحولت الى كريات شمونة ,وبدات اسماء القرى المهدمة عام 48 تتبدل باسماء عبرية
اما الجنوب اللبناني المحتل فاصبح اسمه " الحزام الامني" ,وحصار الشعب الفلسطيني "الطوق الامني" ,المناطق المحتله "المناطق او يهودا و السامرة" , القدس "اورشليم القدس" , وحائط البراق "حائط المبكى"(وكنت قد ذكرت بمشاركة سابقة ان صحفيا مقدسيا عرض صورة لحائط البراق بمعرض فرانكفورت للكتاب السنة الماضية وسماه باسمه العبري ,وكذلم رايت بمعرض فرانكفورت للكتاب قبل ايام كتابين عربيين سمياه التسمية العبرية) , والفدائي " المحبّيل"(المخرّب)
واصبح الناس يرددون قسما منها و يأنفون عن قسم اخر(مثلا لم يصل الحال بعرب 48 لتسمية الضفة بيهودا و السامرة) ,
واخذ قسم ولو قليل من الناس يتسمون باسماء عبرية بسبب شعورهم بالانحطاط كونهم عربا,وصارت الاغلبية الساحقة من عرب 48 ان لم يكن كلهم" يرصّعون " كلامهم بالعبرية كدلالة على علو هامتهم الثقافية و لحفظ بعد لغوي بينهم و بين الطبقات الادنى اجتماعيا
كنت ابحث عن هويتي في هذا البحر العاتي ,وكانت اللغة احدى شواطئه
قرات كتاب "نكبة فلسطين" لعبد الله التل (قائد الجيوش العربية بال 48 ,وفيه يصف خيانة ملك الاردن) وقرات عن معارك جبل المشارف بالقدس , انتقلت للقدس طلبا للعلم بجامعتها التي تتوزع على 3 مناطق جغرافية متباعده ,كان اسم مقرها الرئيسي "جبل سكوبوس" و بالعبرية "هار هتسوفيم"(جبل المشرفين) ,خمّنت اني اخطو على اعقاب عبد الله التل ,واخذت استفسر عن كيفية الوصول لجبل المشارف ,اذا سالني احدهم اجيبه :كنت بجبل المشارف . لم يعرف طالب طب بسنته الرابعة بالجامعة بالبدا معنى هذا الاسم الغريب الذي جلبه معه طالب غريب بايامه الاولى و لا باقي الطلاب ,
وانا؟! كنت ابحث عن هويتي
بعدها اذا بي الاحظ ان الحركة الطلابية الاسلامية اخذت تعلن عن فعالياتها بجبل المشارف لا "هار هتسوفيم" ,وتبعتها بعدها باقي الحركات الطلابية. وبعدها واذا بهم يسمّون الموقع الثاني الذي تقع به الجامعة "حي الشيخ بدر" لا "جفعات رام" كما كان معهودا سابقا . وبعدها اكتشفت على الشبكوت اسم القرية التي اقيم على انقاضها القسم الثالث من الجامعه "بير القفّه "(هداسا عين كارم)
كان تعريبي للاسماء يثير الطرافة في البداية ولكنه اصبح في النهاية تنقية للهوية اللغوية
طبعا , اخذ الطلاب يتندّرون علي و على تسمياتي واخذوا يعرضون علي ما اشكل من المصطلحات العلمية ,تارة للاستفسار و تارة للتعجيز . ولكني لم اعدم الحس الفكاهي للاجابة ,ففي ذات مرة سالني احد الطلاب عن تعريب "حوفشي حودشي" (حرفيا"حر شهري " - بطاقة سفر شهرية للطلاب عادة) فاجبته "حُر فُر" (فر - تجول بالعامية) ,لم يسمع هذه التسمية المختلقة الا طالب ثالث .
وبعد حوالي سنتين من تلك الحادثة كنت امشي مع ذلك الطالب الثالث وطالب اخر فاذا به يحدثنا عن "حر فر" وانه سمعها بديوان للطلاب ,وذكر اسمائهم فلم يكن منهم احدا اعرفه!
وعندما كنت واقفا مع "مرشد" طالب الماجستير الاردني بالجامعة العبرية ,سالني احدهم بعد ذهابه عن هويته ,لانه بدا غريبا نوعا ما : لم يتكلم الا عربية من غير تطعيمها بالعبري!!
واذا كانت اللغة احدى جوانب الهوية فانه لا يستبعد ان يلتزم المرء باللغة التي تتوافق مع هويته , فقد سمعت ان خلقا يعيشون في شمال فلسطين من البدو العاملين بالجيش يتكلمون فيما بينهم العبرية فيما بينهم بالبيت , وسمعت ان هناك دروزا كذلك ولكني لم اتاكد من هذا وارجو ان يصحح لي الاخ ثوري 48 معلوماتي ,ولكني شبه مقتنع ان لغتهم ممسوخة على الاقل ان لم تكن متآلفة تحت راية الالف بيت العبرية
والى اليوم فانا احافظ على نقاء لغتي لان اللغة هي احد اهم جوانب الهوية بنظري
وعلى بوابات العولمة وافتتاح الجزيرة و الشبكوت(الشبكة العنكبوتية) اخذت لاول مرة اسمع حوارا باللغة العربية .واخذت اسمع مصطلحات جديدة :"مرجعية" مثلا , ولا انكر انني كنت استصعب بالبداية متابعة اللغة العالية المختصة للمتحادثين ,اما الان فالحمد لله , فالجزيرة بكل بيت بال 48 ,فالكثيرين لا يستمعون الا لاخبارها و يذرون الشباك اللغوي مفتوحا على العالم العربي ان لم يكن للاستماع فكمجرد صورة معلقة او نافذة بالخلفية ,وانتشرت الصحافة الالكترونية و الفضائيات العربية ,
وبدات جحافل اللغة تتسلل الى فلسطين ,فلماذا تسبق جحافلهم جحافل لغتهم اما جحافل لغتنا فهي التي تسبق جحافلنا؟
Keine Kommentare:
Kommentar veröffentlichen